شد انتباهنا في الفترة الأخيرة اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية قيس سعيد برئيس مؤسسة هواوي لمنطقة شمال إفريقيا Terry HE في إطار تثمين مساهمة هواوي في تطوير الاقتصاد الرقمي بتونس.

وقد إغتنم السيد Terry HE الفرصة للإعلان عن عزم الشركة إحداث مركز للبحوث والتطوير والتجديد بتونس، فضلا عن المساهمة في تنفيذ مشروع المدينة الصحّية بالقيروان ودعم التحول التكنولوجي والاقتصاد الرقمي في تونس وإحداث مواطن الشغل وتنمية المهارات وتكوين الكفاءات وتوسيع الشراكات مع الجامعات والمؤسسات التربوية وتجهيز المدارس بقاعات إعلامية.

لعل هذا ما قادنا إلى التساؤل عن سبب إختيار هواوي دون غيرها من الشركات التي اثبتت حضورها القوي في تونس وشمال إفريقيا.

كيف استطاعت هواوي أن تحظى بهذه المكانة الإقليمية فضلا عن مكانتها العالمية الغنية عن التعريف؟

هل يعود هذا لكونها شركة رائدة في مجال تصنيع الهواتف الذكية فحسب -وهي الصورة العالقة في أذهان العديد منا – أم لانها عملاق تكنولوجي بإمتياز إستطاع إكتساح جميع ثنايا التكنولوجيا تقريبا؟

لا يبدو أن تفوقها في مجال تصنيع الهواتف الذكية سببا منطقيا لوقوع الاختيار عليها، لو لم تشمل انشطتها مجالات أخرى مثل تطوير مختلف الأجهزة الذكية والذكاء الإصطناعي والخدمات السحابية وشبكات الجيل الخامس وانترنات الأشياء وغيرها..

في هذا الصدد، اختارت مجلة تويتاك Tuitec الرقمية تسليط الضوء على هواوي منذ نشأتها وصولا إلى حضورها في تونس ضمن سلسلة مقالات تثقيفية الغاية منها رفع اللبس عن الصورة النمطية لهواوي وإثراء زادكم المعرفي بمعلومات ربما ستقرؤونها لأول مرة.

أما هذا المقال فسيتطرق للخطوات الأولى لنشأة شركة هواوي وأبرز التواريخ والأرقام التي توثق قصة نجاحها.

نشأة هواوي

كان الضابط العسكري السابق في الجيش الشعبي الصيني “رين زنجفي Ren Zhengfei” قد أسس هواوي سنة 1987 في مدينة شنزن بالصين برأس مال صغير جدا لم يتجاوز 3500 دولار وبفريق ضم 14 موظف، لتختص آنذاك في بيع محولات شبكات الهواتف بعد الحصول عليها من إحدى الشركات في هونغ كونغ.

الظروف التي مهدت لتأسيس هواوي :

ألا يقال أن الحاجة أم الإختراع!

خلال الثمانينات من القرن الماضي كانت الحكومة الصينية تعتمد بالأساس على شركات أجنبية للتزود بمعدات الإتصالات لكنها قررت تقليص دور الشركات الأجنبية وتحقيق الإكتفاء الذاتي عبر دعم الشركات المحلية لتكون قادرة على تطوير معدات الاتصال وتصنيعها ومن ضمنها مقاسم الهواتف. وبالتالي وضع إستراتيجية واضحة لتطوير البنية التحتية لل في البلاد.

لذلك فإن حاجة الصين للإعتماد على كفاءات محلية في تصنيع مقاسم الهواتف أسهم في خلق هذه الفكرة لدى Ren Zhengfei وفي مضيه قدما في مجال لم يكن مألوفا في ذلك الوقت.

علما وأن الصين لم تصرح للشركات الخاصة بالعمل إلى في حدود سنة 1987.

ما سر التسميةهواوي ؟

نعم لم تولد تسمية هواوي من محض الصدفة، إذ تحتمل كلمة Huawei معنيين في اللغة الصينية؛ المعنى الأول هو ببساطة الزهرة وهو ما يتجسد نوعا ما في شعارها، بينما يشير معناها الثاني إلى كلمة مركبة من قسمين وتتمثل في “الإنجاز الصيني” وهو ما يشير في مضمونه إلى البوادر الأولى لتأسيس الشركة.

إستراتيجية إدارة الشركة:

تعد هواوي أكبر شركة مملوكة من قبل الموظفين: يمتلك الموظفون أسهما في الشركة أي يشارك نحو 64% منهم في مخطط إمتلاك الشركة.

في الحقيقة إن ما يمتلكه الموظفين ليس إلا أسهما مقيدة افتراضية، بما معناه أنها أسهما غير قة للتداول تمنح لهم بناءا على مردودهم في العمل. وفي حال مغادرة أحد الموظفين، تستعيد هواوي الأسهم التي كانت بحوزته وتمنحه تعويضا ماليا عنهم.

يقع إنتخاب أعضاء مجلس الإدارة ليشرفوا على القرارات الرئيسية للشركة، بينما يظل رين زنجفي Ren Zhengfei الفيصل في تمريرها أو نقضها.

قصة نمو هواوي من المحلية إلى العالمية:

بعد سيطرتها على السوق، قررت الشركة المزودة لهواوي بمحولات شبكات الهواتف الأرضية التوقف عن تزويدها وهذا لم يكن سوى محفزا لها للمضي قدما في تصنيع محولاتها الخاصة.

استهدفت هواوي في بدايتها الأرياف نظرا للنقص الفادح لمعدات الإتصالات هناك، ومع ضفرها بصفقات حكومية استطاعت إكتساح كل المدن الصينية. وقد عملت الشركة على توسيع نطاق نشاطها ليشمل تزويد السوق بمعدات الإتصالات وتقديم خدمات استشارية في مجال التكنولوجيا للشركات المحلية والأجنبية. وبحلول سنة 1990 عمدت هواوي إلى الإستثمار في مجال البحث والتطوير وكان عدد باحثيها آنذاك 55 باحث. وقد آتت هذه البحوث ثمارها، إذ تمكنت هواوي بفضلها من تطوير مختلف الأجهزة وبيعها مقابل أسعار أقل حتى ب25% من أسعار الشركات المنافسة. كما سرعت من وتيرة تمددها نحو الأسواق العالمية وحققت مبيعات عالمية تجاوزت مئة مليون دولار، وأسست أول مركز للبحث والتطوير خارج الصين، وكان ذلك في مدينة ستوكهولم السويدية.

كانت سنة 2001 أول خطوات هواوي نحو العالمية بعد انضمامها إلى الاتحاد الدولي للاتصالات ITU واتسع نطاق نشاطها حتى تمكنت الشركة من تحقيق انجازات باهرة وأصبح اسمها يتردد على مسامع العالم. فبفضلها يتمتع الآن ثلث سكان العالم بشبكات الإتصالات، ذلك أنها أسهمت في تثبيت نحو 1500 شبكة إتصال حول العالم. وكانت أول شركة قدمت خدمات الجيل الرابع للعالم، كما تعد ضمن أولى الشركات المطورة لشبكات الجيل الخامس .

اسهمت هواوي في وضع معايير تكنولوجيا قطاع الإتصالات وتقنية المعلومات إلى جانب 170 شركة مختارة عالميا. أما في سنة 2004 فقد سجلت الشركة حضورها في سوق الهواتف المحمولة مع اطلاق أول من تطويرها “C300″، لتنضم لاحقا إلى عالم هواتف بالإعلان عن هاتف “U8220” خلال فعاليات مؤتمر العالمي لسنة 2009.

وعرفت إزدهارا واسعا على اثر تميزها في مجال الهواتف الذكية، ولعل أبرز الألقاب التي حازت عليها كان في سنة 2018 هو “ثاني أفضل شركة مصنعة للهواتف الذكية في العالم من حيث المبيعات” متوفقة بذلك على شركة آبل. كان العملاق الصيني -كما لقبها الكثيرون- قاب قوسين أو أدنى من التربع على عرش سوق الهواتف الذكية في العالم قبل أن تواجه الحظر الأمريكي. فيما لم يثنها ذلك عن مواصلة تألقها في تطوير الأجهزة الذكية المنزلية وتعزيز بحوثها في مجال الذكاء الإصطناعي والخدمات السحابية وانترنات الأشياء وحتى في السيارات ذاتية القيادة.

وتجدر الإشارة إلى أن عدد موظفي هواوي حاليا يبلغ زهاء 180 ألف موظف في العالم من بينهم ما يفوق 90 ألف موظف في مراكز البحث والتطوير، وتنتشر مراكزها في أكثر من 170 دولة. كانت هذه لمحة عن قصة نجاح هواوي، لكن سنقدم لكم في مقالات قادمة معلومات مفصلة عن مسيرتها في عالم التكنولوجيا ومجالات نشاطها وخططها المستقبلية.

وترقبو مقالنا الأخير ضمن هذه السلسلة لتوثيق طبيعة حضور هواوي في تونس وشمال إفريقيا.